حقيقة الأسرار المكتومة عند الرافضة والصوفية
ثم يقول: "إن الأسماء والصفات الإلهية في الحضرة الواحدية، مع كونها مظهراً لهذه الحقيقة الغيبية، والخليفة الإلهية، ومظهرة إياها، حجب نورية عن حقيقتها، كل حسب درجته، فهي دائماً محتجبة في الأسماء والصفات، مختفية تحت أستارها، فهي مشهودة بعين شهودها، ظاهرة بعين ظهورها".
ويدخل في تأويل الحديث، فيقول: "فالأسماء والصفات من الحجب النورية التي وردت: أن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة، وهاهنا أسرار لا رخصة في إظهارها" مع كل هذه الباطنية الموغلة، يقول بأن هناك أسراراً لا نستطيع أن نظهرها، وقد قال ذلك قبله دعاة التصوف المطلق، ودعاة وحدة الوجود المطلق؛ فإنهم يتكلمون ويتكلمون، ثم إذا رأوا أنهم قاربوا الشرك عياناً، وأنهم سيكفرون جهاراً، فعند ذلك يقولون: هاهنا أسرار لا يباح بها، فمن هنا وقع أبو حامد الغزالي في ذلك أول الأمر، لما كتب كتابه المضنون به على غير أهله، فهل في دين الله سبحانه وتعالى أسرار خاصة تتعلق بمعرفة الله لا يعلمها إلا الخاصة من خلقه، ولا يطلع عليها أحد؟ نقول: لا. وإنما يتفاوت الناس بحسب علمهم، فالراسخون في العلم يعلمون ما لا يعلمه من دونهم؛ لأنهم اكتسبوا هذا العلم وسعوا إلى أن يكونوا من الراسخين فيه، وهيأ لهم الله ذلك، أما هذا الكذب الذي يقال له: المضنون به على غير أهله، أو العلم الخاص الذي يقولون: إن عمر رضي الله عنه -وهو ثاني رجل في هذه الأمة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه- كان لا يعلمه، ويروون عنه أثراً مكذوباً أنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يتحدثان، وكنت كالزنجي بينهما" أي: لا يفهم ما يقال، كأنه زنجي، وهما يتكلمان بلغته التي يفهمها، ويقولون: هذا هو توحيد خاصة الخاصة.
ولذلك لما قتل الحلاج -ذلك الدجال الساحر الأفاك- بعد أن قُرر على أنه كافر، وكتبت بذلك المحاضر الثابتة الشرعية، وحين سئُل بعض أئمة التصوف الآخرون: ما رأيكم في الحلاج ؟ قالوا: إنه يستحق القتل.
قيل لهم: لماذا؟ قالوا: لأنه أُطلع على السر فباح به، فبعد أن علم أن ما في الجبة إلا الله -تعالى الله عما يصفون- وكما كان يقول: سبحاني سبحاني.! ما أعظم شأني! وما أشبه ذلك من عبارات الكفر والضلال، فحين كان يترنم الحلاج بهذه الأبيات الحلولية، وما أشبهها من عبارات وأبيات، قالوا: باح بالسر، والعارف الكامل يكتم هذا السر ولا يبوح به.
والخميني أخذ العبرة مما أصاب الحلاج وغيره، فقال: "وهاهنا أسرار لا رخصة في إظهارها"، وماذا بعد هذه الحلولية أو وحدة الوجود؟
يقول: "ومما تلونا عليك في المصابيح السالفة، تقدر على الحكومة بين العرفاء الكاملين في تحقيق حقيقة العماء الواردة فيها الحديث النبوي حين سئل عنه... إلى آخره" فالعماء الذي ورد في الحديث ليس هو المقصود عندهم؛ لأن كل شيء عندهم مؤول، فيقول: هؤلاء العارفون الكاملون لماذا اختلفوا؟ أو كيف تحكم بينهم من خلال المعرفة بحقيقة هذا التوحيد؟
يقول: "وقد اختلفت كلمة الأصحاب فيها، فقيل: هي الحضرة الأحدية، لعدم تعلق المعرفة بها" إلى أن يقول: "ونحن نقول: يشبه أن يكون حقيقة العماء هي حضرة الفيض الأقدس والخليفة الكبرى؛ فإنها هي الحقيقة التي لا يعرفها بمقامها الغيبي أحد، ولها الوساطة بين الحضرة الأحدية الغيبية، والهوية الغير الظاهرة".
ثم يقول: "قال المحقق القونوي في مفتاح الغيب : العماء الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وآله، مقام التنزل الرباني، ومنبعث الوجود الذاتي الرحماني من غير الهوية، وحجاب العزة الإنية، وفي هذا العماء يتعين مرتبة النكاح الأول الغيبي الأزلي، الفاتح لحضرات الأسماء الإلهية بالتوجهات الذاتية".
ونحن حين نورد مثل هذه العبارات فإنما نوردها لنعرف ماذا يريدون منها، فنجد أنه يخلص إلى غاية ما يسعى إليه الروافض، وهو ما يتعلق بالأئمة المعصومين، قال: "ومن تلك العلوم التي تنكشف على قلبك بالاطلاع على المصابيح الماضية، يظهر سر من أسرار القدر، فإن القوم قد يقولون فيه أقوالاً لا ترضى، ويذهب كلٌّ مِنْ مَذْهَبٍ لا يرتضى".